تعرف وقت الفراغ

تشهد حياة الأفراد والمجتمعات ابتداءً من منتصف القرن العشرين تغيراً شاملاً وعميقاً يعتمد على حدوث ثورة في ثلاثة مجالات هامة , وهي ما سمى بالثورة الصناعية الثانية في مجال الإنتاج , وثورة في مجال المعلومات فيما عرف بالانفجار المعرفي , ثم الثورة في مجال المواصلات والاتصالات . هذه التغيرات العميقة التي حدثت في مجالات الإنتاج والمعرفة والمواصلات ألحقت بحياة الإنسان الفرد , وبحياة الجماعات تغيرات جذرية , وغيرت كثيراً من الأنظمة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية , وعلى رأسها الدولة والأسرة والمجتمع والعمل , وعلاقة الفرد بكل منها . وكان من الضروري أن يلحق هذا التغير بمفهوم الفراغ باعتباره الوجه المقابل للعمل .

فالفراغ – كما تشير معظم التعريفات – هو الوقت الحر الخالي من العمل والمسئوليات العائلية والاجتماعية . والفراغ على ذلك هو الوجه الآخر من العملة بالنسبة للعمل . فلولا العمل ما كان هناك وقت فراغ , ولولا وجود ما يمكن تحديده بوقت الفراغ مفردة ضمن المنظومة الاجتماعية , أو هو نظام ضمن النسيج الاجتماعي القائم في المجتمع , فليس وقت الفراغ وقتاً مهملاً , يعني مجرد الخلو من الأعباء والمسؤوليات , وإنما أصبح وقتاً حيوياً فيه من الأنشطة ما يوازي الأنشطة والأعمال التي تمارس في وقت العمل . ولذا فإن الدولة في كثير من المجتمعات , وجدت أن عليها من المسئوليات إزاء وقت الفراغ ما يوازي مسئوليتها إزاء وقت العمل والإنتاج .


مفهوم وقت الفراغ في الإسلام

إن مفاخر الإسلام أنه لم يترك أمر من الأمور إلا عالجه معالجة تنفع الفرد والمجتمع . وبالنسبة لوقت الفراغ أو الوقت الحر فقد اهتم به وأوضح أهمية استثماره كما أوضح أهمية الترويح في تجديد النشاط وبعث القوة كما جاء في الحديثين الشريفين التاليين عن الفراغ :

الحديث الأول :
قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة , والفراغ )) رواه البخاري . فهذا الحديث الذي جمع بين الصحة والفراغ في إيجاز معجز قد احتوى قيما عديدة . فقد أوضح أن الصحة نعمة يجب أن يحافظ عليها الإنسان , وأن كثيراً من الناس يهملون صحتهم فيهدرون النعمة لعدم تبصرهم وبعد نظرهم ومعرفتهم لدينهم وتطبيقهم لتعاليمه في أمور دنياهم , أما عن الفراغ فقد اقترن في هذا الحديث بالصحة وصاحبها , والصحة من أعظم شيء لدى الإنسان ومن أعز ما يملكه . ومن هذا يتبين لنا خطورة وأهمية وقت الفراغ فقد وضعه الإسلام في موضع عال واعتبره نعمة يجب صيانتها واستثمارها وأن كثيراً من الناس لا يستفيد ولا ينتفع بها .

الحديث الثاني :
(( اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك , وصحتك قبل سقمك , وغناك قبل فقرك , وفراغك قبل شغلك , وحياتك قبل موتك )) رواه الحاكم . وهنا في هذا الحديث اقترن الفراغ بنعمة من أعظم النعم التي أنعم الله بها على الإنسان وهي المال والصحة والحياة والشباب ووجهنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى أن نغتنم الفرصة وأن نستفيد من نعمة الفراغ وربط بين الفراغ والعمل وهذا إعجاز في شرح الفراغ وبيان أهميته , ولذا كان علينا بصفتنا مسلمين أن نهتم بأوقات الفراغ الاهتمام الذي أمرنا به الإسلام لكي يتحقق لنا الخير والفائدة في أمور الدين والدنيا .

مفهوم وقت الفراغ وأهميته :

مفهوم وقت الفراغ :
الفراغ في اللغة كما يقول ابن منظور : الخلاء) ، وعليه يكون وقت الفراغ هو الوقت الذي يكون صاحبه خاليا من المشاغل فيملؤه بما يريد . أي هو الوقت الذي يكون الفرد فيه حرا من ارتباطات العمل أو أية التزامات أخرى بحيث يمكن الاستفادة من هذا الوقت في الراحة أو الاسترخاء أو في ممارسة أنواع من النشاط تعود عليه بتطوير ذاته وتربية نفسه .
ويعرف باعتبار وظيفته للفرد بأنه مجموعة الوظائف أو الأنشطة التي ينغمس فيها الفرد بمحض إرادته وذلك بحثا عن الراحة والمتعة أو لغرض تنمية ثقافته ومعلوماته أو لتحسين مهارته أو للإسهام في تقديم خدمات تطوعية للمجتمع الذي يحيط به وذلك بعد تركه لعمله الأساسي سواء العائلي أو الاجتماعي
وقد أولت التربية الإسلامية عناية بالغة بالأوقات عامة وبوقت الفراغ خاصة لما لها من أثر عظيم في حياة الفرد والمجتمع . قال تعالى : { وجعلنا الليل والنهار آية فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا } [ الإسراء : 12 ]


ومصطلح (( وقت الفراغ )) مشتق من الأصل اللاتيني ((Liesure )) وهو يعني التحرر من قيود المهنة أو الوظيفة أو العمل أو من الارتباطات إلا أنه في هذا العصر يرتبط بحرية استخدام الفرد لهذا الوقت بطرق متعددة ولا نهائية .
ووقت الفراغ وليد مع بداية حياة الإنسان البدائي ، ولكن ربما لم تظهر فلسفته إلا في مستهل القرن العشرين ، عصر الثورة العلمية والتكنولوجية حيث فرض هذا العصر معادلة العمل ووقت الفراغ .
إلا أنه ليس هناك تعريف للفراغ متفق عليه من المهتمين بدراسة وقت الفراغ ، ولا توجد نظرية موحدة لوقت الفراغ ، ويمكن القول بان وقت الفراغ في النقاط الثلاث التالية :
- الوقت غير المشغول بأي نشاط أو عمل أو أداء يتعارض مع وقت العمل ، وهو في الوقت ذاته الفترة التي يكون الفرد في حاجة إليها للشعور بوجوده وكيانه .
- شكل من أشكال الأنشطة الإنسانية التي تتعارض مع نشاط العمل .
- حالة عقلية لنشاط إنساني .



التعريف الإجرائي لوقت الفراغ :
" وقت الفراغ هو الوقت الذي لا يرتبط فيه الفرد بأداء واجب معين ويكون حرا من التزامات وضرورات الحياة اليومية مع قدرته على أن يقضيه في النشاط الذي يختاره "